إيران و«إسرائيل» ودول الخليج!

دفع العرب وخصوصًا الخليج العربي ثمنًا باهظًا جدًا بإسهامهم في إزالة نظام صدام حسين، أكثر بكثير من ثمن البئر النفطي المتنازع عليه بين العراق والكويت. كان العراق قد خرج للتو من حربه مع إيران منتصرًا بعد أن أذل النظام الفارسي، وكسر أنف الخميني وأرغمه على «تجرع السم» كما قال الخميني نفسه، بسبب ما جلبه على نفسه وشعبه بتفجير «حرب المدن» التي كشفت عن تفوق كبير للصواريخ العراقية عن نظيرتها الإيرانية.

استوعبت إيران الدرس جيدًا، وشرعت في بناء منظومة صاروخية متعددة ومتنوعة المهام والقدرات، لكن الخليج لم يفعل! وبعد ٢٢ سنة من إسقاط نظام صدام صارت إيران ندًّا قويًّا لـ«إسرائيل»، وترددت الولايات المتحدة الأمريكية طويلًا في الحرب معها.

قيل إن إيران قد بنت ترسانتها الصاروخية بينما كانت تعاني الحصار الغربي، لكن الواقع يُكذّب ذلك بالكلية؛ فالذي طُبق عليه حصار خانق على الحقيقة لم تكن إيران، بل السعودية وشقيقاتها الخليجية والعربية!

دفع العرب وخصوصًا الخليج العربي ثمنًا باهظًا جدًا بإسهامهم في إزالة نظام صدام حسين، أكثر بكثير من ثمن البئر النفطي المتنازع عليه بين العراق والكويت. كان العراق قد خرج للتو من حربه مع إيران منتصرًا بعد أن أذل النظام الفارسي، وكسر أنف الخميني وأرغمه على «تجرع السم» كما قال الخميني نفسه، بسبب ما جلبه على نفسه وشعبه بتفجير «حرب المدن» التي كشفت عن تفوق كبير للصواريخ العراقية عن نظيرتها الإيرانية.

لا يُدرك إلا القليل أن تلك الدول قد خضعت لحصار طويل لم تحاول مطلقًا أن تتحرر منه، وأسلمت قيادها لآسريها طوعًا، وارتضت أن تتحول لمجرد خزانات وقود – على حد ما نقله الدكتور النفيسي عن دبلوماسي غربي – أو ماكينات صرف، ومستودعات لسلاح أمريكي اشترته دول الخليج ليبقى في تصرف الأمريكيين، لا يتحرك إلا بأمرهم، ولا يصلح للاستخدام إلا وفق إرادة أمريكية تتحكم بتوجيه الصواريخ والقذائف وتحدد مدى عملها ووفق ما تأذن به أمريكا، وعدا ذلك؛ فقد تُرك لدول الخليج هامش صناعة اللبان والبسكويت والمنظفات ونحوها، ثم بعض الصناعات المدنية لاحقًا.

أُطلق العنان لإيران لتصبح فزاعة للخليج، فلم تدخر جهدًا، وطورت سلاحها الخاص، وشرعت في بناء مشروعها النووي الطموح.

خططت طهران لأن تصبح قوة عظمى مرهوبة، ولم يقف الغرب حائلًا بينها والتمدد في الإقليم، لا، بل سمح لها أيضًا أن تبسط «قواعدها العسكرية الخاصة» في محيطها الإقليمي، فأصبح لها قواعد في العراق واليمن ولبنان وسوريا، وكادت أن تخنق الخليج تمامًا. هذا الخليج الذي موّل بنفسه بعض أذرع إيران في كل من لبنان واليمن، فكلما قام نصر الله بمغامرة هب الخليج لدفع فاتورة البناء والتعمير!

ونكاية في علي عبدالله صالح، تدفقت الريالات على الحوثيين، توهمًا بأن حبل الحوثيين سيظل في أيديهم! وخدعته أمريكا حين قام الحوثي بانقلابه، ومنعته من إزاحته!

قيل إن إيران قد بنت ترسانتها الصاروخية بينما كانت تعاني الحصار الغربي، لكن الواقع يُكذّب ذلك بالكلية؛ فالذي طُبق عليه حصار خانق على الحقيقة لم تكن إيران، بل السعودية وشقيقاتها الخليجية والعربية!

أما العراق فقد أُنفقت المليارات الخليجية ليُلقى العراق في حِجر إيران، وتزداد قوة إيران بتمويل خليجي ساذج! ثم عاد اليوم ليمول الحرب عليها من أجل التخلص من قدراتها!

في طريق الذهاب والإياب ظلت السياسة الخليجية شديدة السوء، فلا هي انحازت إلى العراق وساومته جيدًا، وشكلت معه حلفًا عربيًّا قويًّا، ولا هي نافست إيران في التصنيع وبناء الذات، ولا هي شكلت حلفًا إقليميًّا مع تركيا، ولا هي حازت أوراق ضغط حقيقية على الغرب، وأرغمته على التعامل معها كقوة مستقلة، لا إقليم ضعيف تابع.

غرزت طهران أذرع أخطبوتها في العواصم العربية، بينما سمحت دول الخليج للأمريكيين بغرس قواعده فيها، والتحكم بقراراتها وثرواتها كتوابع ذليلة!

وحين أنشبت الحرب أظفارها بين إيران و«إسرائيل»، اكتفى «زعماء الخليج» بمشاهدة «صراع الأقوياء»، وانتظار نتيجة المنازلة لمعرفة اسم «السيد الجديد» الذي سيمسك بحبال العبيد!

أما العراق فقد أُنفقت المليارات الخليجية ليُلقى العراق في حِجر إيران، وتزداد قوة إيران بتمويل خليجي ساذج! ثم عاد اليوم ليمول الحرب عليها من أجل التخلص من قدراتها!

هذا الوضع المخزي قد كانت دول الخليج في غنى عنه لو أنها وضعت استراتيجيتها الخاصة بها، فما الذي كانت تملكه إيران ولا تملكه دول الخليج لتصبح على قدم المساواة مع الكبار؟! لم يكن ينقص الخليج المال ولا العقول ولا الإمكانات الأخرى، إنما كانت تنقصها الإرادة، وتغليب العقيدة الدينية أو الكرامة الوطنية أو الحمية القومية على خيار البوليفارد وصناعة الصابون وإدمان المذلة!

ربما كانت المليارات أو حتى بعضها التي أنفقتها هيئة الترفيه على رواد الفن والرياضة وقادة الرقص وعارضات الأزياء وحفلات موسم الرياض وجدة وغيرها- ربما لو أنفق بعضها فقط على المهندسين والعلماء وقادة الرأي والمبدعين، وبناء المصانع ومعامل البحوث- ربما كانت هذه كفيلة بأن تجعل الخليج عمومًا والسعودية خصوصًا هي صاحبة اليد الطولى في ردع من تخول له نفسه استهداف أمنها وسلب مقدراتها، بدلًا من آن تكون حديث الاستهزاء والسخرية من ذاك الأرعن الذي جعل إهانة زعماء الخليج والتلويح بأنه هو من يحمي مؤخراتهم!

إلا أنهم آثروا أن يمارسوا دور الشبكة في هذا النزال!

فما أشبه ما نراه في هذا النزال بكرة المضرب، حيث تقف «إسرائيل» وإيران على طرفي الطاولة تلعبان بكل طرق التسديد المختلفة، الطويل والقصير، والمستقيم والمنحرف بينما تقف دول الخليج ومعها دول العراق والشام، تمارس دور الشبكة التي تمر الكرات من فوقها دون أي قدرة منها على الفعل أو الحراك!