مشهد المواطنين السوريين وهم يجوبون شوارع المدن السورية ويرقصون في ميادينها رافعين أعلام السعودية بعد إعلان ترامب في الرياض عن رفع العقوبات عن سوريا كان مشهدًا لافتًا ولحظة مفعمة بالمشاعر الشعبية الممتنة للموقف الداعم لحكومة الثورة السورية العظيمة.
لن أقف هنا لأحلل المشهد سياسيًّا وما وراء تلك الكلمات الترامبية التي كان يوزعها بسخاء على زعماء الخليج وهو يتنقل بين عواصمهم مغدقًا عليهم عبارات الإشادة والإطراء، وليس المقام هنا للحديث حول الأسباب الحقيقية التي دفعت ترامب لرفع العقوبات عن سوريا، وهل هي علاقته المتينة بأردوغان والضغط الكبير الذي كان يقوم به لرفع العقوبات، أم هو حديث ابن سلمان معه حول ذلك، أم هي توازنات المصالح وتجاذبات السياسة بين الشرق والغرب بهدف احتواء سوريا الثورة والفوز بعقود الإعمار والظفر بكنوز سوريا المدفونة تحت ثراها، أم هو مزيج من كل ذلك وغيره من تعقيدات المشهد السياسي في هذه البقعة الملتهبة من العالم؟
ما أردت الوقوف عنده هو كيف بات محمد بن سلمان ليلته تلك وهو -بالتأكيد- يتابع عبر شاشات الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي احتفالات السوريين وهم يهتفون ويرفعون أعلام السعودية؟!
مشهد المواطنين السوريين وهم يجوبون شوارع المدن السورية ويرقصون في ميادينها رافعين أعلام السعودية بعد إعلان ترامب في الرياض عن رفع العقوبات عن سوريا كان مشهدًا لافتًا ولحظة مفعمة بالمشاعر الشعبية الممتنة للموقف الداعم لحكومة الثورة السورية العظيمة.
أجزم أنه قد بات منتشيًا وممتلئًا بهجة وافتخارًا وهو يرى تلك الحشود تهتف باسم بلده وترفع أعلامها، وكانت نشوته مضاعفة وهو يرى الحسابات الإلكترونية تتسابق لنشر صورته وهو يضم يديه على صدره لتتحول تلك الحركة إلى الأيقونة المعتمدة لتلك الليلة، وهذا هو الوضع الطبيعي لأي إنسان أن يشعر بالفخر لإنجاز يشعر أنه صنعه؛ ومن ثم رأى أثر ذلك على الناس وهم يشكرونه ويقدرون ما بذله لأجلهم.
هل أدركت الفرق الهائل يا ابن سلمان بين المظاهرات الإلكترونية المزيفة عبر هاشتاقات تويتر وغيره من المنصات التي يصنعها لك سعود القحطاني من خلال آلاف الموظفين الذين تدفع رواتبهم، والمشاهير الذين يخضعون للتهديد كي يشاركوا مرغمين في تلك الحملات، هل شعرت باختلاف في المشاعر وأنت تتابع تلك الحملات الباهتة المولودة ميتة بلا روح وبين شعورك وأنت ترى الشعب السوري يتظاهر بكل تلقائية وحرارة هاتفًا باسم بلدك ورافعًا أعلامها؟!
هل رأيت يا ابن سلمان لذة الاصطفاف مع الشعوب المظلومة ونصرة قضاياها والانحياز إلى مصالحها بغض النظر هل كان موقفك مبدئيًّا أم أنه كان تقديرًا براغماتيًّا بحتًا؟!
هل شعرت بالفرق بين أن تكون تابعًا لشيطان العرب ابن زايد ومتضامنًا معه في مؤامراته الدنيئة لإجهاض أحلام الشعوب في التحرر والكرامة من خلال جرائم الثورة المضادة التي قام ولا يزال يقوم بها لوأد أي حراك شعبي يطالب بحريته وكرامته وحقوقه المسلوبة، وبين أن تكون منحازًا إلى الشعوب المتطلعة للحرية والكرامة؟!
لقد بدأت تفيق حين رأيته يطعنك في ظهرك باليمن، ويتصرف بدناءة وخسة في مصر وليبيا وغيرها من البلدان ليلتف عليك ويخنقك ويقزمك بكل حقد وكيد، حتى أنه من احتقاره لك لم يأت للقمة الخليجية مع الرئيس الأمريكي، بل ولم يرسل حتى رئيس الحكومة محمد بن راشد، وإنما أرسل ابنه خالد، الذي لا يملك من المؤهلات سوى أنه ابن محمد بن زايد!! ولذا عدلت من اصطفافك مبكرًا في موضوع السودان ووقفت في وجهه ووجه قوات الدعم السريع التي كان يدعمها ابن زايد بكل قوة ليسيطر على السودان.
هل شعرت بالفرق بين أن تكون تابعًا لشيطان العرب ابن زايد ومتضامنًا معه في مؤامراته الدنيئة لإجهاض أحلام الشعوب في التحرر والكرامة من خلال جرائم الثورة المضادة التي قام ولا يزال يقوم بها لوأد أي حراك شعبي يطالب بحريته وكرامته وحقوقه المسلوبة، وبين أن تكون منحازًا إلى الشعوب المتطلعة للحرية والكرامة؟!
وها أنت اليوم تتلذذ بحلاوة الهتاف باسمك واسم بلدك في ميادين سوريا الحرة المنعتقة من طواغيتها الذين جثموا على صدرها عشرات السنين؛ فهل ستفيق من سكرتك، وتجعل من هذه اللحظات مواقف مبدئية راسخة وليست تصرفات براغماتية عابرة؟!
هل ستسعى بجدية لتصحيح مواقفك السابقة وتصرفاتك الهوجاء بحق شعوب المنطقة وبحق شعبك، وهل ستدرك -ولو متأخرًا- أن الزعامة الحقيقية والمجد الباقي لا يكون إلا بالانحياز إلى الشعوب والتصالح معها والسعي في تحقيق مصالحها؟!
المجد دومًا للشعوب الحرة، والخزي والعار للطواغيت المستبدين مهما طال الزمان ودار دورته؛ اسأل التاريخ القريب أين القذافي وحسني مبارك وابن علي وعلي صالح، وابحث عن بشار الأسد الذي كنت تستقبله قبل شهور في الرياض وتفرش له سجاد الخزامى لتعيد تأهيله وتقديمه للعالم مرة أخرى، لقد باتوا يتزاحمون في مزبلة التاريخ تلاحقهم لعنات شعوبهم!!
أن تصل متأخرًا خير من ألا تصل، والسعيد من وُعِظ بغيره، والشقي الغبي هو من يصر على عنجهيته وغبائه؛ حتى تكون عظته من نفسه، ويتحول إلى درس لغيره، فهل ستفعل؟!
والله من وراء القصد