يستهلك بعض طلاب العلم أنفسهم، ويهدرون أوقاتهم عندما يتعاملون مع الفكر المدخلي كحالة انحرافية فكرية أو يتعاملون مع تكتلاته كفرق ضالة، استدرجها الشيطان إلى حالة مزرية من الغلو في طاعة الحكام مهما صدرت منهم من طوام وجرائم، ومهما تخندقوا فى معسكر أعداء الإسلام أو تابعوهم وداهنوهم.
ولمريدي النقاشات العلمية أن يديروا نقاشاتهم وأبحاثهم وحديثهم حول الأتباع من المدخليين، فلعلهم مضلَّلون؛ لإرشادهم إلى جادة الصواب. أو يديروها حول جذور تلك الآفة السرطانية التى نهشت جسد التدين السلفي؛ فالتهمت بعض أوصاله!
لكن لينتبهوا جيدًا؛ فالجذور التى يدعي المداخلة أنهم يستندون إليها في ضلالهم بعيدة لسنوات فضائية عما يقترفونه من جرائم باسمها؛ فمن الجنون عقد مقارنة بين طاعة ابن حنبل لخلفاء المسلمين ورفضه الخروج عليهم، بانسحاق المداخلة تحت أحذية أحذية إسرائيل!
ولا الجذور القريبة يمكنهم ادعاء الانتساب إليها؛ فعلماء نجد الأوائل الذين اكتفوا بجهودهم الدعوية الكبيرة، ونصح الحكام سرًّا وجهرًا في بعض الأمور، بوسعنا أن نخطئهم اليوم ولا نجرمهم، لاختلاف البيئة في قديم عما نراه حديثًا. بينما ما نلمسه من المداخلة في زماننا هذا لا يُقارن بأي زمان ولا يمكن أن يندرج إلا تحت عنوان العمالة والخيانة لأمة الإسلام.
في الماضي كان يمكن أن يكون العلاج عبر نقاش علمي جاد لشيوخ ضلوا طريق الحق، أو عبر مواعظ تلقى على أسماع من آثروا الدينار والدرهم على الصدع بالحق. أما الحاضر فليس هناك من دواء للجواسيس ومرتزقة الدين ونخاسي الفضيلة.
في الماضي، كان الشيخ ممن غالى في طاعة الحكام يجد أمامه ما يسوِّغ له موقفه أحيانًا بسبب عدم فشو الفساد والموبقات من حوله، فلربما التُمس له عذر في مواقفه تلك، فإذا ما خدعته السياسة الخارجية لحكامه صار له بعض العذر، والذي يخدر مشاعره الدينية بما يراه من مظاهر دينية رسمية خادعة تدفعه لتصديق ما يرغب بتصديقه من بيئة إسلامية غضة، فيلجأ إلى عالمه الجميل؛ يجد فيه حلقات علم، وحِسبة قائمة بما تبهج عينه بمظاهر الأمر ببعض المعروف والنهي عن بعض المنكرات، وتقديرًا للعلماء، وإنصاتًا لنصائحهم، وقدرة على رعاية الدين ونصح الحكام، بل أحيانًا الأخذ على أيديهم للحق!
أما الحاضر؛ فإدارة الظهر الرسمية ظاهرة أمام كل ذي عينين لأي فضيلة وقيمة وحكم شرعي ونفع عام ورقابة شرعية، وتقدير العلم وأهله، وتعظيم شعائر الله؛ فكيف يستسيغ هؤلاء أن ينحازوا لكل هذه المنكرات، بل ويزيدوا في جرعاتهم الانبطاحية؟!
هؤلاء قد وضعوا معادلة صعبة، يستحيل لأي مسلم أن يقبلها، هي معادلة تضاد كل منطق ويلفظها كل لُب: أن يزداد المدخلي التصاقًا بأي نظام في العالم كلما ابتعد هذا النظام عن الدين والفضيلة! علاقة عكسية لا يمكن أن يقوم بها العلماء.. العملاء وحدهم هم مَن يطيقونها!

ولهذا؛ فهذا الذي ينظر بمنظار العلم كمثل الداعية السلفي السوري عبد الرزاق المهدي، سيتعجب متسائلًا – قبل ٤ سنوات -: « إذا كان شيوخ المداخلة في ليبيا ومصر يحرضون على جماعة الإخوان (المبتدعة في نظرهم)، ويعتبرون ذلك من أعظم الجهاد (في ليبيا)، فلماذا حينما دُعوا لقتال النصيرية والروافض في سوريا رفضوا؟! لماذا اعتبروا القتال في سوريا قتال فتنة، بينما يرون القتال مع قوات حفتر قتالًا واجبًا ضد الخوارج».
أما الذي ينظر لهؤلاء بمنظار العمالة والخيانة للأمة المسلمة فلن يحار في فهم أي موقف لهم، ليس فحسب، بل سيتوقع أفعالهم قبل أن تقع! فبحسبه أن يتابع معاريف ويديعوت أحرونوت وتايمز أف إسرائيل، أو يتابع القناة ١٣،١٢العبرييتين ويتأمل تحليلاتها وتقاريرها ليقف على نهاية الطريق الذي سيسلكه المداخلة!
انظروا إلى نهايات هذه الطرق:
١- لم تكن تل أبيب راغبة في بقاء الرئيس محمد مرسي في منصبه؛ فنسي رموز المداخلة كل نصوص الحض على طاعة ولاة الأمر وإن جلدوا الظهور وأخذوا الأموال.. وناصبوه العداء، بل وتصايحوا واصطرخوا في كل ندوة وخطاب: الرافضة.. الرافضة.. سيعيد مرسي علاقات مصر مع إيران!
٢- لم تكن تل أبيب راغبة في حكم رشيد في ليبيا، وأرادت تصفية المجموعات المسلحة المحافظة؛ فحمل المداخلة السلاح بعد مسرحية داعش التقليدية في سرت واصطفوا مع الجنرال الذي دربته المخابرات الأمريكية وحمل جنسية دولتها، خليفة حفتر، والذي لا يكاد ابنه صدام يغادر تل أبيب من زيارة حتى يستبد به شوق الخيانة لمعاودة زيارتها مرة أخرى! حتى انتهى المطاف بزعيم المداخلة ربيع المدخلي أن يوجههم للمساهمة بقوة في تنفيذ مخطط تقسيم ليبيا الذي ترعاه إسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة، ما أدى في النهاية إلى اقتراب تقسيم ليبيا وإضعافها وتمكين روسيا والإمارات من التمركز بشرقها.
وكالعادة نسى هؤلاء أن حكومة طرابلس العاصمة هي الشرعية دوليًّا وعرفيًّا، ونسوا معها «فضيلة طاعة ولاة الأمر»!
٣- لم تكن تل أبيب راغبة في وحدة السودان، وعملت منذ نحو نصف قرن على دعم انفصاليي الجنوب لاسيما الحليف جون قرنق، إلى أن نجحت بفصل الجنوب، وأقامت علاقات وثيقة مع الانفصاليين في دارفور وكردفان وغيرها، لتجزئة المجزأ، ثم «خرج» حميدتي على «الحاكم المتغلب» عبد الفتاح البرهان؛ فاصطف مزمل فقيري وجماعته المداخلة مع «الخوارج» ضد «الحاكم المتغلب»، ولا تسأل حينها عن حكم هذا في شريعة المداخلة!
٤- وعندما رغبت تل أبيب في تقسيم اليمن، كان هاني بن بريك جاهزًا للقيام بحظه من الدور، ثم لا تسأل حينها عن تقاعسه عن قتال الشيعة أعداء المداخلة في الظاهر!
وفي كل منطقة تهب فيها رياح الخير والنهضة والإصلاح والتغيير الإسلامي تجد المداخلة جاهزين للعب دورهم المشؤوم. أو تجد الذراع الآخر للعبة، الدواعش، جاهزين أيضًا لأداء دورهم الحقير. فكلاهما يخدم أعداء الإسلام بطريقته «الخاصة»!

المسألة لا تحتاج إلى مفكر عظيم ليدرك كم يخدم المداخلة أهداف إسرائيل، ولذا كان ما خلص إليه زالفي خان في مقاله المنشور على مدونة موقع تايمز أوف إسرائيل، بعنوان: «هل المدخلية صديقة لدولة إسرائيل؟»، إذ قال: «إن الطائفة المدخلية تشكل قوة موازنة لتلك الجماعات (الإسلامية)، وتساعد في تأمين المصالح والمثل الديمقراطية الغربية، فضلًا عن أمن دولة إسرائيل»!.