المعارضة السعودية والعفو: دلالات وتساؤلات!

نقل رئيس أمن الدولة السعودي الجنرال السابق عبد العزيز الهويريني رسالة ولي العهد محمد بن سلمان إلى «المعارضين السعوديين» في الخارج، حملت مضمون العفو عنهم والترحيب بعودتهم إلى البلاد آمنين، ما لم يكونوا متورطين في جرائم خاصة!. قوبلت الرسالة بأصداء حذرة لدى المهتمين والمعنيين من المعارضين والناقدين لبعض السياسيات والممارسات الخاطئة.

قال الهويريني بالنص : «يعودون، مرحبًا بهم، ولن ينالهم أي عقاب».

أبدى بعض المعارضين عدم ثقتهم بهذا العرض من الحكومة السعودية، لعدة أمور؛ منها:

١-  أنه لم يتم أي معالجة لأسباب خروج المعارضين والإصلاحيين؛ فخروجهم ليس لدوافع شخصية بل لحجم الكوارث الحقوقية ومستوى تكميم الأفواه الخانق والتجريم على أدنى ممارسة لحرية الرأي والمطالبة بالحقوق، في الوقت الذي أطلق فيه العنان لحرية الانفتاح الغنائي والبهلواني والجسدي! أما حقوق الناس ومشاركتهم الرأي والقرار فتراجعت بصورة غير مسبوقة من قبل!

٢- ولأنه في نفس الوقت لا يزال هناك لدى الدولة الآلاف من معتقلي الرأي قابعين في السجون السياسية في الحاير وذهبان والطرفية وغيرها، وأدنى دلائل حسن النوايا ومصداقية العفو تقتضي أن تبدأ بتصفير تلك السجون من هؤلاء قبل دعوة البعيدين لبث رسائل حقيقية وتطمينية لتحسن الحال.

٣- ولأنه في نفس الوقت الذي توجه فيه هذه الدعوات لعودة المعارضين فلاتزال سيارات أمن الدولة تداهم بيوت أعداد كبيرة من الآمنين في عدة مناطق منها الرياض والقصيم والمنطقة الشمالية والشرقية وإيداعهم سجونها لمجرد آرائهم التي لا توافق هوى النظام!

غير أن بعض المحللين استبعد سيناريو استدراج الحكومة للمعارضين من بوابة العفو، فالحكومة  -حسب رأيهم-  جادة في إنجاح هذا المسعى؛ ليس لأنها راغبة في فتح صفحة جديدة مع المعارضين وإصلاحات سياسية جادة بل لسبب آخر مختلف.

وقالوا إنه لمعرفة هذا السبب يتعين العودة كثيرًا للوراء والنبش في صفحات التاريخ، فجميع الشعوب العربية تعلم أن زرع الكيان المحتل في خاصرة العالم الإسلامي كان نذير شؤم كبير على العرب، ولكن قلة من تعلم أن كثرة المعتقلات والسجون والملاحقات الأمنية والتعذيب والهواجس من الملاحقات الأمنية في العالم العربي لم تكن معروفة قبل «إسرائيل»، وبقدر نواياها التوسعية تتزايد الملاحقات وتتوسع السجون العربية للأسف.

قلة هي من ربطت بين قيام دولة الاحتلال وزراعة الخوف، وقلة قليلة هي من ربطت ما بين الحملات الأمنية الكبرى في العالم العربي وبين اقتراب توقيع اتفاقات للتطبيع مع كيان الاحتلال؛ فلـ«إسرائيل» يد في معظم حالات اعتقال العلماء والدعاة والمفكرين وأصحاب الأقلام الحرة  وسائر الرافضين لها ولبناء علاقات بين دولهم معها؛ ومن يقلب صفحات التاريخ لن يبذل جهدًا كبيرًا في استنتاج ذلك بنفسه دون كبير عناء.

والمملكة العربية السعودية لا تشذ عن تلك القاعدة؛ فيوم بدأ صهر ترامب كوشنر يسابق الزمن من أجل إقامة علاقات بين سائر دول الخليج، وبخاصةٍ السعودية، كانت الاعتقالات تتوالى إلى اليوم، فلا مناص من إسكات صوت «أهل الرأي والفكر الحر من العلماء المستقلين والدعاة والإعلاميين قبل أن تبدأ أولى حلقات التطبيع، وهي سلسلة عمليات تمهيدية تدور مع تقييد الأقلام وقيام هيئة الترفيه بتجريفها القيمي، وتغيير مناهج التعليم المؤصل للقضية الفلسطينية والمناوئ لـ«إسرائيل»، وفتح باب السياحة على مصراعيه ورؤية الصهاينة يتجولون في كل مدن المملكة.. إلخ.

ويعيد المعارضون سؤالهم: إذا كان الهدف هو فتح صفحة مع المعارضين، أليس من باب أولى فتحها مع المعتقلين الأبرياء، فقد  كانوا لا يعدون أنفسهم معارضة، وكلهم تقريبًا قد بايع الملك وولي عهده؟!

تساؤلهم منطقي جدًّا، والإجابة يجب أن تكون كذلك مقنعة جدًّا! 

ويتفق الجميع تقريبًا على أن الحكومة تسعى جاهدة لتصفير أصوات الخارج  أو على الأقل تقليلها؛ لأن من سيستجيب لهذه الدعوة ويدخل المملكة فلن يستطيع قول كلمة واحدة وهذا هدف للنظام، حيث لا رغبة بسماع أي صوت معارض للتطبيع الكامل الذي يُنظم عقده الآن لا في الداخل ولا في الخارج. و لماذا يخرج في هذا التوقيت الحرج، الذي تسعى فيه الولايات المتحدة الأمريكية إلى لملمة قضية غزة والتفرغ لإطلاق قطار التطبيع الخليجي – «الإسرائيلي»! وإذا أوشك القطار أن ينطلق؛ فينبغي أن لا  ينغص عليه المعارضون في الخارج!

ونقطة إضافية أخرى حيث تكاثرت بوادر فشل المشاريع الخيالية وظهرت مؤشرات أزمة تمويل واقتصاد محلية نتيجة قرارات استفرد بها ولي العهد السعودي مما تعتبر مادة دسمة للمعارضين للتعليق عليها وتحميل ولي العهد المسؤولية وهو مالا يقبله ولا يتحمله ولذلك فإصماتهم بالعفو والعودة يمنحه بعض الطمأنينة لعدم ترسيخ أنه السبب الرئيس للفشل والمشكلة!

تفكيك صوت المعارضين الصاعد مطلب طبيعي للنظام ليس لأجل التطبيع وحده، وإنما لإغلاق عدد من الملفات، خصوصًا أن القادم سيحمل كمية وافرة من المواد الخام لقضايا ضخمة ستلوكها ألسنة المعارضين الحادة. وهذا مزعج ولا رغبة في حصوله.

المشاريع الجديدة ومناخ الاستثمار الداخلي و ملفات الاستثمار الخارجي خصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية والسياحة والسياسة الداخلية وتراتيبية الحكم وكثير مما ينبغي للمعارضين الكف عن الحديث عنه، وهذا يستلزم فتح أبواب العفو الخارجية واستمرار إغلاق النوافذ الداخلية.

ما نتمناه أن تكون هذه المقاربة خاطئة، وأن يُعبّد الطريق للتعامل الصحي الطبيعي مع الناصحين على المسار ذاته الذي تعودت عليه المملكة – ولو كان محدودًا جدًّا –  من التعامل بشيء من المنطق والسماح لأصوات الناصحين المحبين، الحريصين على أمن هذه البلاد أكثر بكثير من غيرهم، هذا فضلًا عن الوقوع في فخ الإصغاء الأعمى للبيت الأبيض والكابينيت!