سعودية الترفيه…إهانة العلماء والاحتفاء بالغانيات!

كم كانوا سُذجًا أولئك الذين صدَّقوا الدعاية الرسمية التي تحججت منذ الأيام الأولى لفعاليات هيئة الترفيه الناشئة بالسعودية بأنها لن تمنح تراخيصها إلا لمن يلتزم بـ«مراعاة القيم والأخلاق الإسلامية والثقافة الاجتماعية في المملكة»! مثلما نصت على ذلك لائحة التراخيص للأنشطة الترفيهية والمساندة، للهيئة العامة للترفيه في العام ٢٠١٨م.

وكم من هؤلاء تنبهوا حين استقام المَنْسِم، وتبين مقدار الأكاذيب التي أحاطت بالهيئة وأخلاقياتها الزائفة، والتي بلغت حدود استضافة غانيات اعتلين خشبة المسرح ينطقن بالكفر والإساءة للذات الإلهية، أو يدرن حول مجسم يشبه الكعبة، وكذلك شواذ وأفاقين وأشباههم؟!

فلقطة لأسبوع واحد، اعتلت فيه الغانية الأمريكية جينيفر لوبيز خشبة المسرح على بعد عشرات الكيلو مترات من الكعبة المشرفة، تشيع المجون في جدة، وقُتل فيها عالم القرآن الدكتور قاسم القثردي الألمعي في سجنه بالسعودية نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، كفيلة بأن تزيح أي غشاء من على أعين الغافلين في السعودية العظمى!

إن الواقع لم يعد يحمل شيئًا ملتبسًا يمكن أن يحتج به غافل ليدعي أن ما تتضمنه تلك الفعاليات يراوح ما بين الكبائر والترويج للإساءة للإسلام، ولهذا؛ فنحن لا نكتب هنا لنعيد ما استقر في أذهان العقلاء من السعوديين، وهم كثيرون ولله الحمد، من أن ما يُفرض فرضًا على هذا الشعب ليس إلا إشاعة للفاحشة في الذين آمنوا، فذلك لم يعد مجهولًا، ولا تلك الدعاية الزائفة بأن هذا العري والخنا والتفسخ هو تعبير عن «رؤية» ستعبر بها السعودية للعقد القادم، أو أنها لن تتقدم بغيرها ومشتملاتها من تحشيد الراقصات في كل محفل ومناسبة، أو أن ما يخجل كل مسلم سعودي أو غير سعودي مما يراه فاقعًا في فجره هو مجرد عودة لمرحلة ما قبل سبعينيات القرن الماضي حين لم تكن ثمة «صحوة» يدعي «الأكابر» أنها لم تكن إلا لأنهم أطلقوها، وكأن الإسلام طارئ على تلك البلاد يحتاج انبعاثه لإذن من هذا العبد المختال أو ذاك أو كأن «ما وجدنا عليه آباءنا» هو عقيدة صحيحة وتراث مقدس!

ما يحدونا إلى أن نكتب ليس رغبة في تكرار ما قد أصبح معلومًا في هذا العهد بالضرورة، من شيوع الفساد وتقريب الفاسدين وقمع المصلحين، فلقطة لأسبوع واحد، اعتلت فيه الغانية الأمريكية جينيفر لوبيز خشبة المسرح على بعد عشرات الكيلو مترات من الكعبة المشرفة، تشيع المجون في جدة، وقُتل فيها عالم القرآن الدكتور قاسم القثردي الألمعي في سجنه بالسعودية نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، كفيلة بأن تزيح أي غشاء من على أعين الغافلين في السعودية العظمى!

هذه اللقطة موحية تمامًا بمستوى ما وصل إليه الفساد المتغذي على اضطهاد المصلحين والدعاة الربانيين الذين تأبى نفوسهم الحية الحرة أن تصفق لهذا الباطل أو تمنحه مشروعية، وإزاحتهم من طريق الفاجرين.

لقد جرَّب المفسدون هذا الأسلوب الإجرامي بإغراق الشعوب في الفساد، وجرفهم بتيار المجون بسرعة، وقد نجحوا في ذلك في بلدان كثيرة لمَّا غفل المصلحون عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي بقدر ما يستطيعون

فلم يعد هناك ما يخفى من هذه الرغبة في تحويل الشعب السعودي من شعب متدين إلى آخر غارق حتى أذنيه في الفساد، وهذا يقودنا إلى بيت القصيد، الذي كتبنا لأجله، وهو الدور المرتجى من كل مسلم غيور، وهو إحياء الإيجابية المطلوبة من المجتمع لمكافحة ما يُفرض قسرًا من تغريب وإفساد؛ فلدى آحاد المسلمين في هذا البلد الطيب الكثير والكثير مما يمكنهم عمله للتصدي لمجافاة «القيم والأخلاق الإسلامية والثقافة الاجتماعية في المملكة»، المذكورة في البند أعلاه! إعمالًا لواجب الدين أولًا ثم تنفيذًا للائحة هيئة الترفيه التي وضعها المعنيون (إيهامًا) تاليًا!

يجود العلماء بأرواحهم في السجون من أجل دعوة أقاموها، لكي تبقى كلمة الحق حاضرة، ودعوتهم قائمة، ودينهم ظاهرًا، فلا أقل من أن يقوم كل مسلم في هذه البلاد لله، قومة يستكمل بها وظيفة الدعاة المقدسة في حفظ دين هذا المجتمع، مستهلًّا بما يستطيعه في بيته من تحصين لرعيته التي يرعاها، ثم منبهًا معارفه وخاصته، مكافحًا هذا الإفساد العمدي، الذي يراد له أن يعم رقعة كبيرة كان يشغلها أهل الخير قبل إقصائهم، وإفراغها!

على السعوديين الصالحين-إن أرادوا النجاة- ألا يكتفوا بتناقل أخبار العصاة وأراذل المجرمين دونما العمل على تبني مشروعهم الفردي لمقاومة هذا الفساد وحصاره، والتشنيع به، وإفقاده ما يطمح إليه من تطبيع للفساد!

إن دور المسلم الحقيقي هو أنْ كلما انحسرت بيئة التدين أوجد بديلًا لها ووسعها بما استطاع في حيزه المتاح، ولا يستسلم أو يضعف في الطريق، فمهمته اليوم مضاعفة ومسؤوليته أعظم.

لقد جرَّب المفسدون هذا الأسلوب الإجرامي بإغراق الشعوب في الفساد، وجرفهم بتيار المجون بسرعة، وقد نجحوا في ذلك في بلدان كثيرة لمَّا غفل المصلحون عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي بقدر ما يستطيعون، ولو بما يقدرون عليه، لسانًا وقلبًا؛ ففشا الباطل وانتشر مستفيدًا من انهيار قدرة المصلحين على المقاومة أو تذرعهم بأنهم لن يستطيعوا أن يفعلوا أكثر مما فعله العلماء المضطهدون.

يوم خلت البلاد من مساجد تجمع المصلين والصالحين من قوم موسى، جاء الحل الرباني { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [يونس: 87]. فلتكن بيوت الصالحين قبالة بعضها البعض؛ فيقترب أهل الخير من بعضهم أكثرهم، وتتوفر بيئة تجمع أبناء الصالحين؛ فلا يجرفهم التيار، ثم لتكن بيوت المسلمين قبلة: مساجد منبثة في كل مكان ينبعث النور منها فينقشع الظلام، ويزهق الباطل المنتفش.

لم تصل الأحوال لمثل هذا، ولله الحمد، فلم تزل المساجد عامرة، والتدين ظاهرًا، لكن ليعتبر السعوديون مما جاورهم من بلدان، اتسع فيها الخرق شيئًا فشيئًا، وراقعوه نيام، ويقظانهم حائر، فليكن فيما هو متاح من مساحات التدين غنية عن الاستسلام وإحناء الرأس للفساد ومروجيه، وليوسع المصلحون رقعتها مرة أخرى.

وليدركوا كذلك أن مرحلة «التدين السهل» قد ولى زمانها، فلم يعد التعليم والإعلام والفعاليات الشبابية مثلما كانت من قبل، وأقبل زمان «القبض على الجمر»، الذي فيه تقوم معظم وسائل التربية بدور معاكس للإصلاح، وفيه تتقلص فرص عمل المتدينين، وتتعدد أدوات عزلهم وتهميشهم شيئًا فشيئًا.

و«التدين الحقيقي» هو ذاك الذي تتضح فيه معاني الأخوة الإيمانية، وتتجلى فيه عقيدة الحب في الله والبغض في الله، ويسبق فيه الإسلام كل وشيجة ورابطة، فلا قومية ولا قبلية ولا وطنية ولا أرضية ومناطقية، تتقدم عليه.

هو التدين الذي يميز جيدًا بين الصديق والعدو، ولا يخشى صاحبه إلا الله، ولا ينبهر بالغرب أو يقلده، ولا يشعر صاحبه بأنه أعلى من المسلمين أقل من غيرهم! أو سوى ذلك مما يسعى «الترفيهيون» لمحوه من عقول وقلوب السعوديين من ثوابت دينهم واستمساكهم بأخلاقياتهم وقيمهم وعقائدهم!

لِيُعلِّم كلُّ راعٍ أهلَ بيته ما قد تم حذفه من مناهج التعليم وليزد عليه مما يقتضيه الحال ويَلزمه، حتى لا ينسلخ أبناؤنا من بين أيدينا، بعد أن أُفقِدوا الأسوة والنماذج الرائعة من علماء الأمة الربانيين ودعاتها المصلحين والمعلمين المربين الناصحين المشفقين.

إن دور المسلم الحقيقي هو أنْ كلما انحسرت بيئة التدين أوجد بديلًا لها ووسعها بما استطاع في حيزه المتاح، ولا يستسلم أو يضعف في الطريق، فمهمته اليوم مضاعفة ومسؤوليته أعظم.

والفاجعة ألا يدرك المسلم أن مقاومة الفساد ليست وظيفة غيره، والأدهى أن يتطبع مع الانحدار فلا يرى فيما يغمر محيطه من فساد مشكلة، أو لا يكاد يراه من فرط إلفه له! بين أيديكم أيها الطيبون كثير مما تقدرون عليه، لو تعلمون.

واعلموا أن صلاحكم في أنفسكم لاينقذكم من الهلاك مع تفشي الفساد وكثرة الخبث، قيل: يا رَسولَ الله، أَنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: نَعَمْ؛ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ.

وفقط قيامكم بواجب النهي عن الفساد هو وحده سبيل نجاتكم لا غيره؛ { فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ } [هود: ١١٦].