من الرسائل العلمية الجيدة، والتي كانت فلتة من فلتات الدهر في جامعة الإمام، رسالة الدكتور/خالد الماجد وفقه الله، للماجستير والتي سجلت في قسم الفقه بكلية الشريعة في الرياض عام1414هـ، ثم نوقشت وأجيزت بامتياز عام1418هـ، وكان قد أشرف عليها الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الله الركبان حفظه الله.
ولعله تتيسر سانحة أخرى لعرضها، والمهم في هذا المقام وأنباء ما يسمى بالاستثمارات الترليونية في الديار الترامبية قد علمت، ما قرره في الفصل الأول، وبالتحديد قسمه الخامس: استثمار ولي الأمر المال العام.
وقد خلص في دراستها إلى أن حكمها في دار الإسلام: الجواز، وهذا الحكم ظاهر، ومع ذلك فإن للجواز شروطًا ذكرها، وهي شروط عامة يمكن أن تقال في كل استثمار، ولعله نص عليها لكون الكافر غير ملتزم بالشرع، فأكد على جواز استثماره للمال العام بشروط وهي: أن يكون التعامل في أمور مباحة (كبيع وشراء، ومضاربة، وإجارة)، وألا يكون في مواد محرمة؛ (كسلاح للعدو، خمر، ربا)… ومما يقرب من ذلك المحذور ما عليه هيئة الترفيه، وما يصنعه صناع السياحة اللادينية!
ومن أدلته: عقد النبي صلى الله عليه وسلم مع يهود خيبر، وشراء النبي صلى الله عليه وسلم من اليهودي بثمن مؤجل. وأدلة التعامل مع الكافر في دار الإسلام كثيرة لا تخفى.
وفي استثمار أموال المسلمين في بلدانهم بالشروط الشرعية مصالح ظاهرة، ومحاذيرها أقل، وبعض مخاطرها ينتفي، إذ يبقي سلطان المسلمين على أموالهم، فلا يرتهنون لغيرهم، مع ما في ذلك من الإسهام في تنمية البلاد، وخدمة المجتمع، وتوظيف بنيه، وزيادة فرص الاستثمار الخاص، وتحسين الدخل، ولذلك عوائد على الناس ظاهرة، والحاجة إليه في واقعنا ماسة، فبدل أن يتكفف الناس الدعم، وينتظرون حساب المواطن، تتيسر لهم في بلدانهم مشاريع كريمة، وذلك من أدنى حقوقهم في أموال بلدهم.
أما الاستثمار في بلدان الكافرين فنتيجته بعكس ذلك، ينعش الأعداء، ويهمل الأقرباء، أحوج ما يكونون وتكون حاجة مدننا وقرانا، وتأمل في تصريحات ترامب تجده يتحدث عن نحو مليوني وظيفة ستحققها الاستثمارات الخليجية للأمريكيين! وهو رقم كاف للقضاء على البطالة في الخليج!
وفي استثمار أموال المسلمين في بلدانهم بالشروط الشرعية مصالح ظاهرة، ومحاذيرها أقل، وبعض مخاطرها ينتفي، إذ يبقي سلطان المسلمين على أموالهم، فلا يرتهنون لغيرهم، مع ما في ذلك من الإسهام في تنمية البلاد، وخدمة المجتمع، وتوظيف بنيه، وزيادة فرص الاستثمار الخاص، وتحسين الدخل.
على أن أصل استثمار الأموال في بلدان الكافرين عمومًا فيه خلاف بين أهل العلم، حررته الرسالة المذكورة، وقررت أن المنع مطلقاً: قول المالكية والشافعية، والكراهة قول الحنابلة والظاهرية، وجواز الاستثمار عند الكفار: قول الحنفية، ومعلوم تجوز بعض الحنفية في بعض أمور المعاملة مع الكافر. وأيًّا ما كان فعلى هذا جمهور أهل العلم ما بين كارهٍ له ومحرِّم.
لكن الباحث رجح جواز ذلك بقيود مذكورة عند الفقهاء، لا نراها اليوم متحققة.
لكن هذا مما يفتح المجال للاجتهاد، في بعض الاستثمارات إذا كانت في مشاريع منضبطة، بحيث يعلم أنها تعود بالنفع على بلدانا، وتجري وفق شروط شريعتنا، وهذا ما لا يكون في بلدان قائمة على الربا، غير راعية أمر الله وحقه.
والحق أن البحث كان ينبغي أن يبسط القول في شرط الاستثمار عند الكفار أكثر مما ذكر، وكذلك في واقعه عندهم، وما تجري عليه معاملاتهم واستثماراتهم، ومعلوم أن الربا أصيل فيها، ورعاية الضوابط الشرعية لا تكون في مشاريع الدول.
على أن أصل استثمار الأموال في بلدان الكافرين عمومًا فيه خلاف بين أهل العلم، حررته الرسالة المذكورة، وقررت أن المنع مطلقاً: قول المالكية والشافعية، والكراهة قول الحنابلة والظاهرية، وجواز الاستثمار عند الكفار: قول الحنفية، ومعلوم تجوز بعض الحنفية في بعض أمور المعاملة مع الكافر. وأيًّا ما كان فعلى هذا جمهور أهل العلم ما بين كارهٍ له ومحرِّم.
ولعل موجب الاقتصار أنه لم يكن موضوع بحثه مخصصًا لذلك، وإلَّا فحكم الاستثمار في ديار الكفار جدير ببحث مختص يبين الأحكام، ويتناول حالاته بالتفصيل، ويعرض الفروق بين ديار أنواع الكفار، وتفاوت مخاطرها، بتفاوت واقعهم.
والمهم هنا أن الشيخ قد ذكر ضوابط عامة لاستثمار المال العام عند الكافرين وهي:
أولًا: اجتناب المحرمات؛ (كربا، وخمر، وغِش)، وقد بحث في ذلك قول بعض أهل العلم بجواز الاتجار مع الحربي في المحرم ورجح منعه. ومعلوم توسع الحنفية في ذلك عن غيرهم، وهم الذين فارقوا عامة القائلين بالتحريم أو الكراهة، والواقع عدم إمكان التحكم في استثمارات وما يديرونه بحيث يمنع الربا وغيره من المحرمات.
وثانيًا: عدم المخاطرة، فيتجنب الاستثمار في مشاريع غير مضمونة أو في دول غير مستقرة.
ومن المخاطرة اليوم استثمارها في بلد عرف عنها ابتزاز الدول، وتجميد أصول مخالفين لها بدعاوى مختلفة.
ومن المخاطر أن تكون بهذا الحجم الضخم، الذي لو كان في عمل مباح في أصله، لكن من غير الحكمة جعله في مكان واحد.
ومن المحاذير أيضًا كونه يجحف في حق الوطن والمواطن، الذي يبحث عن ضرورياته وحاجياته.
وثالثًا: اختيار الأفضل تكلفة دون محاباة فيتعاقد مع الأكفأ والأقل تكلفة عبر منافسات عادلة (كالمناقصات)، مع تحريم المحاباة.
وقد علم الناس أن الواقع لا منافسة فيه، هي عروض حصرية لأسباب سياسية بالدرجة الأولى.
فهو استثمار على غير هدى، غير صادر عن حكم الشرع، ولا مستفت فيه أهله.
ولو نجح إداريًّا لخُشيت مغبته، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ والله لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ [البقرة: 276]، نسأل الله أن يسلم البلاد، ومقدرات الناس٬ ويرد الحقوق، ويحفظ على المسلمين دينهم، ويصلح حالهم.