عائلة آل الشيخ والترويض الطويل!

ذكر بعض المؤرخين أن الملك فيصل بن عبدالعزيز أصدر بيانًا من الديوان الملكي يأمر فيه بإقامة صلاة الاستسقاء، وحين علم المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله بذلك اتصل بالملك وقال له: على أي أساس أمرت بالاستسقاء؟!

فقال الملك فيصل: إن المطر تأخر والناس بحاجة للمطر فأمرت بالاستسقاء.

فقال له الشيخ محمد بن إبراهيم: هذا ليس من اختصاصك وليس لك الحق بالتدخل فيه، وطلب من الملك أن يصدر بيانًا من الديوان الملكي بإلغاء صلاة الاستسقاء وعدم التدخل في الشؤون الدينية مرة أخرى!!

كان الشيخ محمد بن إبراهيم ينطلق في موقفه ذاك من التحالف الذي عقد بين جده محمد ابن عبدالوهاب ومحمد بن سعود جد الملك فيصل، والذي بناءً عليه تأسست الدولة السعودية الأولى؛ حيث كانت القيادة الدينية من اختصاص ابن عبدالوهاب، والقيادة السياسية من اختصاص ابن سعود، وعلى ذلك سارت الدولة السعودية إلى حد ما في طوريها الأولين، وكان العمل على ذلك في بدايات الدولة السعودية الثالثة حتى عهد المفتي محمد بن إبراهيم، والذي مثل نقطة تحول استراتيجية في علاقة الدين بالدولة بشكل عام وفي وضع عائلة آل الشيخ بشكل خاص.

منذ ذلك الحين استقر الرأي لدى آل سعود بأن يكون قرار الدولة بشكل كامل لديهم بدون صلاحيات حقيقية لأحد غيرهم، واتفقوا على أن يمنعوا من ظهور شخصية أخرى مماثلة للشيخ محمد بن إبراهيم يمكن أن تمثل إشغابًا أو تشويشًا عليهم بأي شكل من الأشكال، وحولوا المؤسسة الدينية الرسمية إلى شكل من أشكال الديكور الديني الشكلي للدولة، والذي يطلع على نظام هيئة كبار العلماء يعي ذلك جيدًا؛ ومن أمثلة ذلك أن هيئة كبار العلماء بجلالة قدرها المزعوم لا يحق لها نقاش أي موضوع من تلقاء نفسها ابتداءً، وإنما ترسم لها أجندتها وما يحق لها نقاشه من قبل الملك!!

كما كان هناك تركيز كبير على وضع أسرة آل الشيخ واحتواء الأسرة بشكل كامل وعدم السماح لظهور شخصية قوية كما كان وضع الشيخ محمد بن إبراهيم، وكان ملف آل الشيخ من مسؤوليات الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز إبان إمارته للرياض، فكان يرصد جميع الشخصيات في الأسرة ويقيمهم بدقة حتى يرسم لكل منهم مساره الذي يناسبه ويضمن إبعاده عن أي زعامة دينية حقيقية!

فعلى سبيل المثال؛ الكل يعرف العلاقة القديمة جدًّا بين سلمان والمفتي الحالي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، حيث تبناه من قديم وعرفه وخبره جيدًا، ورأى أنه يمكن أن يكون اسمًا مناسبًا ليكون المفتي التالي للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، فقام بإبرازه وتلميعه مبكرًا وهيأه ليكون مفتيًا عامًّا للبلد برغم وجود عدد كبير من العلماء أكبر منه سنًّا وأعلم منه، ولكن طبيعة شخصيته كانت مناسبة في نظر سلمان ليكون مفتيًا!

والناظر في حال الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ منذ توليه الإفتاء إلى اليوم يعلم صوابية نظرة سلمان ودهاءه في اختيار المفتي، فهو من ناحية أشبع غرور آل الشيخ من جهة، ومن جهة أخرى حصل على منصب مفتي بمواصفات خاصة ومناسبة لتوجه آل سعود في صناعة زعامة دينية ضعيفة ليس لها أي دور حقيقي ولا يُحسب لها أي حساب، رغم ما عرف عن الشيخ من ديانته وصلاحه وعبادته!!

شخصية أخرى يتجلى فيها مكر سياسة سلمان ودهاؤه فيما يخص ملف آل الشيخ؛ الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، حفيد محمد بن إبراهيم وأبرز شخصية علمية موجودة اليوم من أسرة آل الشيخ بلا منازع، اكتشفه سلمان مبكرًا، بل كان يتواصل معه ويتعاهده شخصيًّا بالاتصال والتواصل وهو لا يزال شابًا يافعًا يتفاخر بين رفاقه بتواصل أمير الرياض معه شخصيًا!!

كما كان هناك تركيز كبير على وضع أسرة آل الشيخ واحتواء الأسرة بشكل كامل وعدم السماح لظهور شخصية قوية كما كان وضع الشيخ محمد بن إبراهيم، وكان ملف آل الشيخ من مسؤوليات الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز إبان إمارته للرياض، فكان يرصد جميع الشخصيات في الأسرة ويقيمهم بدقة حتى يرسم لكل منهم مساره الذي يناسبه ويضمن إبعاده عن أي زعامة دينية حقيقية!

نشأ صالح آل الشيخ نشأة علمية مميزة، وطلب العلم وفق منهجية جادة غير عادية، إضافة إلى ملكات شخصية وعقلية قوية وذكاء حادٍّ، مما جعله من أبرز علماء الشريعة الموجودين في البلد بشكل عام، على الرغم من عدم معرفة الكثير من الناس بذلك وعدم بروزه بهذه الصفة لدى عامة الناس، وهذا كان مقصودًا وبوعي تام من سلمان نفسه، حيث تعمَّد إبعاده عن صبغته العلمية، ونجح بدهاء وخبث أن ينتزعه من وسط طلابه ومريديه في حلقات العلم والعلماء ليجعل منه موظفًا رسميًّا وتاجرًا عقاريًّا بعيدًا عن هيئة وسمت العلماء الراسخين، حتى أنه حين جرى تعيينه نائبًا لوزير الشؤون الإسلامية في العام 1416هـ خشي طلابه أن يفقدوه في ساحات الدرس، فوعدهم حينها أنه خلق للعلم وسيبقى بينهم للعلم والتعليم!

ولكن نظرة سلمان كانت أعمق منه ونَفَسُه كان أطول من نَفَسه، فسحبه من حلقات العلم شيئًا فشيئًا حتى أغلق على نفسه بيته ومكتبه واحتجب عن طلابه وصار مهمومًا بشؤون وظيفته وتنمية ثروته وعقاراته!!

وحتى تدرك دهاء ومكر سلمان فاسأل نفسك: لماذا لم يدخل صالح آل الشيخ هيئة كبار العلماء ولم يكن ولو حتى مجرد عضو فيها برغم رسوخه العلمي وملكاته القوية وكونه من أسرة آل الشيخ بل وزيرًا على مدى عقود لوزارة الشؤون الإسلامية؟! بينما تجد بقية آل الشيخ من الشخصيات العادية والضعيفة ممن لهم أدنى صفة علمية تجدهم أعضاء في الهيئة!!

شخصية أخرى يتجلى فيها مكر سياسة سلمان ودهاؤه فيما يخص ملف آل الشيخ؛ الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، حفيد محمد بن إبراهيم وأبرز شخصية علمية موجودة اليوم من أسرة آل الشيخ بلا منازع، اكتشفه سلمان مبكرًا، بل كان يتواصل معه ويتعاهده شخصيًّا بالاتصال والتواصل وهو لا يزال شابًا يافعًا يتفاخر بين رفاقه بتواصل أمير الرياض معه شخصيًا!!

كل هذا لأن سلمان يعلم بأن صالح آل الشيخ هو الشخصية الوحيدة من آل الشيخ الذي يمكن أن يكون مؤهلًا حقيقة لتولي منصب المفتي العام بصورة يملأ فيها مكانه علميًّا وقياديًّا، ولكن سلمان لا يريد ذلك!!

ثم جاءت رصاصة الرحمة الأخيرة التي أُطلقت على آل الشيخ وتاريخهم كله عبر إيجاد فكرة يوم التأسيس، حيث جعل ابن سلمان تأسيس الدولة السعودية في تاريخ ليس له علاقة بتحالف ابن عبدالوهاب وابن سعود، بل قدم سردية استعلائية جعلت من الشيخ محمد بن عبدالوهاب مجرَّد شيخ ديني ممن عاصر نشوء الدولة السعودية الأولى دون أي ذكر لوجوده؛ فتاريخ التأسيس حُدِّد على أنه سابق له وليس له أي ذكر أو دور في ذلك!

بل أُطلقت تحذيرات لكل من ينسب له أي دور، أو يجعل تاريخ تأسيس الدولة هو تاريخ التقاء محمد بن سعود بمحمد بن عبدالوهاب، والطريف أن عبداللطيف آل الشيخ هو من عمم على الخطباء ليوحدوا خطبهم جميعًا عن يوم التأسيس الذي أنكر دور جده وحقره، فكان كمن يطلق النار على قدميه مرغمًا حتى ينال رضا سيده!!

ثم جاء المسمار الأخير في نعش آل الشيخ وإيغالًا في إنهاء دورهم والقضاء على البقية الباقية من تاريخهم؛ فقد أبرز ابن سلمان الوجه القذر والبجيح للأسرة، فأصبح التافه تركي آل الشيخ أحد أبرز وجوه الدولة اليوم والآمر الناهي فيها، وأصبح يعربد بكل بجاحة وقذارة ويأتي بُشذَّاذ الآفاق من الشاذِّين والعاهرات ليعربدوا في بلاد الحرمين باسم الترفيه وباسم مؤسسات الدولة وبرعايتها وعلى نفقتها!

وعلى المستوى الديني تم إبراز السفيه عبداللطيف آل الشيخ وجعله مسؤولًا عن الشؤون الإسلامية والدعوة والدعاة في بلاد الحرمين؛ ليشن حربًا قذرة على الدعوة والدعاة ويمارس أبشع صور التشويه لتاريخ وحاضر ومستقبل أسرة آل الشيخ!!

ختامًا، هل بقي في آل الشيخ رجل رشيد يفهم ما أُريد بأسرتهم وما انتهى إليه حالهم؟!

ولو فرضنا وجود من يفهم؛ فهل بقي في أيديهم أصلًا أي أوراق يستطيعون الحركة من خلالها لتعديل ذلك الوضع، واستدراك ما فات، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تاريخهم وسمعتهم؟!