الطوفان: يترجم القرآن ويعري الخذلان!

فجر يوم السابع من أكتوبر – و يا له من فجر – لم يكتف شباب من خيرة أهل الإسلام بأداء فريضة الصلاة وترك فريضة الجهاد كما هو حال كثير من المسلمين اليوم، فحملوا أرواحهم على أكفهم وعبروا إلى عدو الله وعدو الأنبياء وعدو أهل الإسلام، ودخلوا على اليهود المغتصبين في دارهم وقتلوا منهم وأسروا بالمئات، ووضعوا أحذيتهم على وجوه الصهاينة، في مشهد لم يره المسلمون منذ دخل اليهود إلى قبلة الإسلام الأولى، ومنذ دنسوا مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم.

لا ريب أن حدثًا كهذا زلزل العالم، ولا تزال ارتدادات هذا الزلزال قائمة، وأن له تأثيرًا عظيمًا لا على السياسة فحسب، بل حتى على العقول والمواقف والأفكار!

وقد حدثنا الله تعالى في القرآن عن مثل هذه الأحداث وما ينجم عنها من تمايز وفتن وتمحيص، وهنا يصبح السؤال العظيم: ما أثر هذا الحدث على إيمان أهل الإسلام ودينهم؟

إن العبرة الأولى والفائدة الكبرى من هذا الحدث: هو أن تزداد قناعة المسلمين بالجهاد في سبيل الله، فهو السبيل الأوحد لنيل حقوقهم وعزتهم أمام عدو لا يرقب فيهم إلًّا ولا ذمة، وهذا العدو على طغيانه نمر من ورق، اقتحم عليه شباب بأقل سلاح فمرغوا أنفه في التراب، فكيف لو كانت الأمة كلها من وراء هؤلاء المقتحمين؟!

وهذه الحقيقة قد أكد عليها الله في كتابه وأكد عليها رسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة:٤١]، والخير هنا يشمل خيري الدنيا والآخرة، فهل بقي مسلم يشك بعد هذه الآية أن الجهاد خير له من القعود؟!

ويقول تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة:19-22].

وهذه الآية صريحة في تفضيل هذا العمل، وأن هؤلاء الذين جاهدوا أفضل من غيرهم من المسلمين، مهما عظمت أعمالهم الخيرية، ذلك أن هؤلاء الذين يبذلون أرواحهم في مواجهة عدو الله وعدو المسلمين هم حماة لمن وراءهم من أهل الإسلام.

إن العبرة الأولى والفائدة الكبرى من هذا الحدث: هو أن تزداد قناعة المسلمين بالجهاد في سبيل الله، فهو السبيل الأوحد لنيل حقوقهم وعزتهم أمام عدو لا يرقب فيهم إلًّا ولا ذمة، وهذا العدو على طغيانه نمر من ورق، اقتحم عليه شباب بأقل سلاح فمرغوا أنفه في التراب، فكيف لو كانت الأمة كلها من وراء هؤلاء المقتحمين؟!

وآيات القرآن في الجهاد، في الأمر به، وتفضيله، وحث المسلمين عليه، وتحذيرهم من تركه، واعتباره معيارًا للإيمان والصدق مع الله، كثيرة جدًّا.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، واخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)؛ فقد جعل هذا الحديث الجهاد معيارًا للعزِّ والذلِّ، وللقوة والضعف، كما جعله أيضًا معيارًا للدين والإيمان.

وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد والإكثار منه والحرص عليه وتحريض الصحابة عليه أعظم من أن يحاط بها، جزاه الله عن أمته خيرًا.

إن الدين والمنطق والواقع: كلها تؤكد هذه الحقيقة، أن الطريق الوحيد لمجابهة هذا العدو الذي اجتاح أهل الإسلام وعبث بدينهم ودمائهم ومقدساتهم وأرضهم: هو الجهاد بالمال والنفس ودعم المجاهدين، وأنه متى أخذ المسلمون بهذا الطريق فإن لهم الظفر بإذن الله عليه.

والسؤال: أين موقف المسلمين من هذه الحقائق؟ وماذا كشف عنه الطوفان من أمر بهذا الصدد؟

إن الجواب على هذا السؤال العظيم في غاية الألم والصعوبة، فطوفان الأقصى المبارك وإن كان كشف عن وجود ثلة آمنت بالقرآن والسنة وما يأمران به في هذا الموقف، جردوا أموالهم وجندوا أنفسهم للجهاد ومواجهة هذا العدو الغاشم، إلا أن هذا الطوفان قد كشف أيضًا عن خذلان شريحة عريضة من أهل الإسلام لهذه الثلة القائمة بما أمر الله المدافعة عن سائر المسلمين، وهذا الخذلان لم يكن في شكل مادي فحسب بل شمل الأفكار والمعتقدات، فتخلوا عما يأمر به الله ورسوله واستبدلوا به الآراء والأهواء والمسوِّغات التي تفوح منها رائحة الذل والخور والجبن وضعف الإيمان!

إن ما يحصل لإخواننا المسلمين في غزة من قتل وتجويع وإبادة، ليس نتيجة الطوفان المبارك، فهذا العدو يرتكب المجازر قبل الطوفان وقبل ولادة من قام به، وإنما يأتي في الدرجة الأولى من المسؤولية عن هذه المذبحة: الخذلان الذي شارك فيه أكثر المسلمين، خذلوا دين الله وخذلوا من قام به، فاستأسد العدو على أهل الإسلام.

إن الدين والمنطق والواقع: كلها تؤكد هذه الحقيقة، أن الطريق الوحيد لمجابهة هذا العدو الذي اجتاح أهل الإسلام وعبث بدينهم ودمائهم ومقدساتهم وأرضهم: هو الجهاد بالمال والنفس ودعم المجاهدين، وأنه متى أخذ المسلمون بهذا الطريق فإن لهم الظفر بإذن الله عليه.

أي صورة أعظم عارًا وأشد خذلانًا وأدل على ما نقول: من كون أهل غزة يذبحون أطفالًا ونساءً وشيوخًا ومرضى ومقعدين، ويموتون من الجوع، وإخوانهم في البلاد الإسلامية المجاورة لهم يرقصون ويلعبون ويتقلبون في ملذات الدنيا، لا يوصلون منها شيئًا لإخوانهم، بل يسهمون في حصارهم والوقوف على الحدود لمنعهم من الخروج منها! ثم هم لا يقنتون لهم في صلاة ولا يذكرونهم في خطب الجمعة، ومن بقي له شيء من إيمانه فإنما يتذكرهم بالدعاء على مستواه الشخصي!

هذا وفي نفس الوقت: يتظاهر لأجل هؤلاء المسلمين المظلومين مئات وألوف من الكفار في مشارق الأرض ومغاربها، ويضحون بحرياتهم في سبيل الدعم والتأييد ومواجهة القتلة من اليهود!

فأين المسلمون؟ وأين دينهم؟ وأين حبهم لله ووفاؤهم مع رسوله ودينه؟ بل أين إنسانيتهم و تعاطفهم البشري قبل أن يقرأوا القرآن ويسمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم؟!

لا ريب أننا نعيش لحظة من أظلم اللحظات وأشدها قتامة وسوادًا في تاريخ المسلمين، لحظة تفوقت على ما كنا نقرؤه في التاريخ ونتعجب منه من ذل المسلمين وانخذالهم أمام المغول، لما كان المغولي يأتي للجماعة من المسلمين ويأمرهم بالجلوس حتى يحضر السيف لقتلهم، وهم جالسون ليس فيهم من يفكر بمواجهته، حتى يحضر سلاحه ويفتك بهم!

واليوم: يقتل أطفال المسلمين ما بين مقصوف وجائع، يثور لأجلهم كفار في أقاصي الأرض، وإخوانهم بجوارهم لا ينصرونهم لا بكلمة ولا بمال ولا بسلاح، بل لا يكتفون بخذلانهم حتى ينجم منهم منافقون ينالون منهم ويجرحونهم ويشمتون بهم فإنا لله وإنا إليه راجعون.

لا ريب أننا نعيش لحظة من أظلم اللحظات وأشدها قتامة وسوادًا في تاريخ المسلمين، لحظة تفوقت على ما كنا نقرؤه في التاريخ ونتعجب منه من ذل المسلمين وانخذالهم أمام المغول، لما كان المغولي يأتي للجماعة من المسلمين ويأمرهم بالجلوس حتى يحضر السيف لقتلهم، وهم جالسون ليس فيهم من يفكر بمواجهته، حتى يحضر سلاحه ويفتك بهم!

إن ما كشفه طوفان الأقصى المبارك للناس من حقائق القرآن ومن مشاهد العزة والعبودية لله والصبر على فريضة الجهاد والتضحية بالمال والنفس، مع الصبر والرضا وقوة اليقين والتوكل، وما كشفه كذلك: من دركات الخذلان والنفاق والركون للدنيا والإعراض عن الآخرة، يستحق وقفات مطولة، وكتابات كثيرة، تبين أبعاده وتجلي آماده، وعسى أن يتيسر ذلك في مقالة قادمة إن شاء الله، نقف فيها مع أهم مقولات الخذلان ونحاول أن نتلمس جواب القرآن عليها، ومن الله وحده الهدى والسداد.