﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ﴾
تلك الآية التي نمر بها مرور العابرين في مصاحفنا، دون أن نستشعر وهجها حين تنزل بالناس الفتن وتضيق صدور الأمة بالظلم والاستبداد، إنها نداء ربِِّّ السماء أن لا نكتم ما شهدناه وما تعلمناه ووعيناه، وأن لا نصمت حين يراد للحقيقة أن تشوّه أو تغتال.
إننا اليوم في المملكة العربية السعودية وفي بلاد الخليج عامة نعيش حقبة تدحرج فيها الصمت حتى تعاظم، وأغلقت نوافذ القول والرأي الحر، وانقلبت الموازين فقد جرموا النصح زمانًا طويلًا ثم انتقلوا إلى تجريم الفكر وتأطيره بحدود البلاط الملكي، لذلك وصلنا لمرحلة أن النقد والتفكير والوعي جريمة، والسؤال عن المال العام خطيئة وجرأة لا تُغتفر.
يا أهل العلم والفكر والقلم.. يا من قرأتم السير ووعظتم الناس بأخبار أحمد بن حنبل وابن تيمية والعز بن عبد السلام وتزينتم بهم وملأتم بحوثكم من نقولاتهم .. بالله عليكم أين أنتم من واقعكم؟! أتُحدثون الناس عن زكاة العلم في دروسكم، ثم إذا جاءت ساعة البذل للحق والذود عن الحقيقة ودين الله والمظلومين قلتم: هذا شأن لا نُحسن الحديث فيه؟!
لقد آن الآوان أن نغادر ترف الحواشي والجزئيات والطبعات والمعارض والمخطوطات، ونتقدم إلى ساحة العزيمة وبذل الوسع، حيث تكتب المواقف لا الملاحظات!
إن ما نراه من تغييب للأحرار ومن توظيف للقضاء لتكميم الأفواه، ومن تحويل النصوص الشرعية والفقه الإسلامي إلى صكوك تزكية للحاكم لا أدوات إصلاح و نصحٍ ومحاسبة، هو أس الفساد الذي حذّر منه القرآن.
إنّ المقام هنا ليس مقام تهويل بل مقام صدق الرواد: فحين يُسجن الآلاف بسبب تغريدة أو رأي، وحين يُحكم على الاقتصاديين والأكاديميين والإعلاميين بسنوات طويلة لأنهم عبّروا عن رأيهم في السياسات أو المال العام، حين يُستدعى العلماء لتسويغ المظالم والتغييرات المنافية لثوابت الشريعة..ويرددون شعار حكم الحاكم يرفع الخلاف !!! فاعلم أن الخطب جلل، وأن واجبك ليس الخوف وارتعاد الفرائص بل الوقوف بشموخ وإيمان.
ليس المطلوب منكم مواجهة ميدانية، ولا بيانات موقعة جماعية، ولا أحلاف و مؤسسات فكرية تُستهدف من أول لحظة.. بل نطلب الكلمة المخلصة، والرأي الشجاع، والمقال الصادق، والتواصل الفاعل، حتى بأسماء مستعارة. نطلب إسهاماتكم في حفظ أصول دينكم وهذا الوطن من عبث العابث، وفي حفظ الناس من أن يتحولوا إلى حطب في نار الصمت الجماعي التي تحول البلاد إلى رماد.
لقد آن الآوان أن نغادر ترف الحواشي والجزئيات والطبعات والمعارض والمخطوطات، ونتقدم إلى ساحة العزيمة وبذل الوسع، حيث تكتب المواقف لا الملاحظات! إن ما نراه من تغييب للأحرار ومن توظيف للقضاء لتكميم الأفواه، ومن تحويل النصوص الشرعية والفقه الإسلامي إلى صكوك تزكية للحاكم لا أدوات إصلاح و نصحٍ ومحاسبة، هو أس الفساد الذي حذّر منه القرآن.
أيها الفضلاء: إن المظلوم لا يطالبكم بأن تُخاطروا بحياتكم، بل بأن تستشعروا أن ما وقع عليه اليوم قد يقع غدا عليكم أو أبنائكم وأحفادكم. وأن زكاة علمكم ليست في علوم الطبعات الموجودة في مكتباتكم ولا تعقيدات الفروع والأصول لمسائل انطوت، بل في حماية الحقوق…في إيقاظ الضمائر…في تبصرة الناس بما يجب أن يعتقد ويقال ويُعمل، وكلٌّ بحسبه.
دعونا نصدق أنفسنا: هل نحن أهل علمٍ حقًّا إن سكتنا عن تبديل دين ينتشر، واعتداء على سنة سيد المرسلين بحجة الآحاد والمتواتر، وسكتنا على محاكمات جائرة تبيع الناس وتشتريهم في سوق نخاسة أمن الدولة؟! هل نحن ورثة الأنبياء إن لم نُبصر في السلطة غلوها في ذاتها وظلمها للناس واستبدادها؟ هل نرجو الشفاعة ونحن خذلنا من لا ناصر له؟
إنّ المقام هنا ليس مقام تهويل بل مقام صدق الرواد: فحين يُسجن الآلاف بسبب تغريدة أو رأي، وحين يُحكم على الاقتصاديين والأكاديميين والإعلاميين بسنوات طويلة لأنهم عبّروا عن رأيهم في السياسات أو المال العام، حين يُستدعى العلماء لتسويغ المظالم والتغييرات المنافية لثوابت الشريعة..ويرددون شعار حكم الحاكم يرفع الخلاف !!! فاعلم أن الخطب جلل، وأن واجبك ليس الخوف وارتعاد الفرائص بل الوقوف بشموخ وإيمان.
ليس من العدل أن نملأ المنابر بأخبار المصلحين ثم لا نكون امتدادًا لهم ولو بخطوة واحدة!
ليس من الحكمة أن ننشغل بخلافات فرعية جزئية فيما العدالة تُذبح، والهوية تُختطف، والناس بين سجينٍ ومطاردٍ ومخذول وأصول الدين تأكلها الأرضة!
يا أهل القلم: هذا وقتكم، بالكلمة التي لا تُنسى، والصوت الذي يشق جدار العزلة. وكل منكم يعرف ما يستطيع.. فاكتبوا، وتكلموا، وانصحوا، واسعوا، واصدعوا.. ووالله إن كلمة حق تُقال اليوم، قد تكون سببًا في صلاح قادم، وقد تكون حصنًا لمظلوم، وقد تكون عذرًا لكم أمام ربكم. ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾. وابذلوا الوسع ولكن لا تصمتوا صمت القبور فتجعلونا نعيش في الخراب!