هل ماتت هيئة كبار العلماء؟!

“الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو طريق أئمة الدين ومشايخه، فمن لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لم يكن من شيوخ الدين ولا ممن يقتدى به”.

شيخ الإسلام ابن تيمية، مجموع الفتاوى (١١/٥١٠).

عصفت بالدين وأهله فتن في الآونة الأخيرة، تكلم فيها الكفار والمنافقون والجهلة والمبتدعون، أما من تربعوا على هرم المشيخة في بلاد الحرمين فهم في صمت القبور، لا تسمع منهم صوتًا ولا ترى لهم موقفًا، وكأنما انشقت لهم الأرض فابتلعتهم أو لاذوا فيها!

وعلى رأس هؤلاء: مفتي البلاد عبدالعزيز آل الشيخ، وعضو اللجنة الدائمة: صالح الفوزان.

ولا يخفى على الجميع ما تعرض له هذان الشيخان مع غيرهما، من إصمات متعمد، ومضايقة جعلتهم يلوذون بما لاذوا به من صمت، دون مراعاة لجهودهم السابقة ومبالغتهم في محاولة إضفاء الشرعية على توجهات الحكومة، فحتى ما كان يسمح لهم به سابقًا من هامش صغير في إنكار بعض المخالفات الأخلاقية مُنعوا منه.

إلا أن هذا لا يسوِّغ لهم هذا الصمت المخزي، الذي ضيعوا معه رسالة أهل العلم وشيوخ الدين؛ فإن هؤلاء وأضرابهم قد تصدروا وظائف دنيوية بأسماء كبيرة (سماحة المفتي العام – معالي كبار العلماء)! فإن لم يقوموا بدين الله حق القيام ويؤدوا رسالته كما طلب الله منهم فليتخلوا عنها، فلن يلومهم لائم بعجزهم عند ذلك، ولكن أن يتسموا بهذه الأسماء، ويحصلوا من ورائها ما حصلوا من مغانم الدنيا؛ فلا أقل من أن يبذلوا لدين الله حقه!

من جهة أخرى فإن هؤلاء العلماء صاروا تحت الطلب لوكالة الأنباء الرسمية، متى ما قدرت في كلامهم قطعة تكمل أحجية إخبارية! فهل يليق بعالم الشريعة أن يسوِّغ عجزه بالصمت عن حق الله فيما هو لا يزال يؤدي حقوق المخلوقين ويخدمهم؟!

عصفت بالدين وأهله فتن في الآونة الأخيرة، تكلم فيها الكفار والمنافقون والجهلة والمبتدعون، أما من تربعوا على هرم المشيخة في بلاد الحرمين فهم في صمت القبور، لا تسمع منهم صوتًا ولا ترى لهم موقفًا، وكأنما انشقت لهم الأرض فابتلعتهم أو لاذوا فيها!

إن صمت المؤسسة الرسمية في بلاد الحرمين عن مآسي المسلمين مؤخرًا، وعن قضايا كبيرة من الاعتقاد والأخلاق صار يخوض فيها الجميع إلا هم، وعن فتن حصلت بين المسلمين: ما هو إلا إعلان وفاة رسمي للدور الدعوي الذي كانت تقوم به هذه المؤسسة، وخروجها عما كانت تقوم به في أيام الشيخين ابن باز وابن عثيمين، رحمهما الله؛ حيث إنهما وإن تحالفا مع السلطة إلا أنهما أخذا منها لدين الله أعظم مما بذلوه لها، ولم يجعلوا من تحالفهم معها مسوِّغًا للصمت عن أي منكر، كبيرًا كان أو صغيرًا، ولا للإضرار برسالتهما كعالمي شريعة، بخلاف غيرهما ممن صاروا أشبه بموظفي العلاقات العامة للحكومة!

يتكلم العلماني والشيعي والإباضي وحتى بعض اليهود والنصارى في مناصرة أهل غزة، فيما يتعرض له أهل الإسلام في هذا القطر من إبادة، ومن يزعمون أنهم شيوخ الإسلام: صامتون، لا ترى لهم إلا تصريحات بمناسبة اليوم الوطني أو في فعالية حكومية، فأي عار هذا؟!

وفي نفس الوقت يقبع في سجون بلاد الحرمين خيرة العلماء: كالشيخ سفر الحوالي، والشيخ عبدالعزيز الطريفي وغيرهما.

إن هذا يؤكد الحقيقة الراسخة عبر تاريخ الإسلام الطويل: أن العلماء حقًّا وشيوخ الدين صدقًا هم من كانوا مستقلين عن السلطة، وأن العكس هو النادر الأقل.

كما أن الدال على مكانة العالم وفضله، هو علمه ومواقفه، لا مناصبه الرسمية، فلو طرحنا مثل هذا السؤال على شيخ الإسلام ابن تيمية فسنجد جوابه يؤكد هذا المعنى إذ يقول:

(…مع العلم بأن كثيرًا ممن يتولى التدريس بجاه الظلمة الجهال يكون من أجهل الناس وأظلمهم، ولكن الذي يدل على فضيلة العلماء: ما اشتهر من علمهم عند الناس، وما ظهر من آثار كلامهم وكتبهم) منهاج السنة (٤/١٣٥).