يُقال: إن الزعيم العراقي عبدالكريم قاسم شكا لنظيره المصري جمال عبد الناصر كثرة اهتمام الشباب العراقي بالسياسة، فقال له الأخير: افتح الكباريهات والمراقص، أي: أشغلهم بشهواتهم عن عقولهم واهتمامهم بشأن أُمَّتهم، ثم اعبث بمقدرات وطنهم وبلدهم كيف شئت دون رقابة أو نكير أو سؤال!
إنَّ إشغال العامَّة من الناس عن الأمور المهمة بالأمور التافهة والسفاسف، خطة قديمة، لم يغفل عنها المستبدون على اختلاف أديانهم وثقافاتهم وأعراقهم، فيقال عن المسارح الرومانية التي يتسوح الناس اليوم على أطلالها الأثرية: إن بادئ أمرها رغبة امبراطورية، بإشغال الناس عن المظالم السياسية بالمصارعات والرياضات الجماهيرية.
ولعل هذا سلف تاريخي لما نلاحظه اليوم من الاهتمام السياسي الهائل بكرة القدم خاصة والرياضة عامة، ودعمها وتشجيعها وإغداق المال عليها، فهي تأخذ الجماهير وتأخذ كثيرا من اهتماماتهم وطاقاتهم ووجدانهم بعيداً عن الشأن العام والأمور السيادية، فيخف الضغط على الساسة فيما يفعلونه أو يتركونه.
ويلخص لنا فيلسوف الحرية علي عزت بيجوفيتش – رحمه الله – هذه القضية في كتابه الماتع هروبي إلى الحرية قائلًا: (تحلُّ الحريات الجنسية فيما يُسمى بالدول الاشتراكية محلَّ الحريات السياسية، والسلطات على وعي تام بهذه العلاقة!) ص:127.
هذه المقولة تصدر من رجل سياسي ومثقَّف، تسنَّم أعلى المناصب السياسية في بلده، وقرأ سلوك الساسة في الشرق والغرب، وفهم منطلقاتهم ودوافعهم، ثم لخَّص لك قضيتهم، كيف أنهم حينما يستبدون بالأمر ويريدون إقصاء الشباب عن شؤون بلدهم فإنهم يشغلونهم بشهواتهم وبالجنس تحديدًا، تفاديًا للضغط الذي يولد الانفجار!
إنَّ إشغال العامَّة من الناس عن الأمور المهمة بالأمور التافهة والسفاسف، خطة قديمة، لم يغفل عنها المستبدون على اختلاف أديانهم وثقافاتهم وأعراقهم، فيقال عن المسارح الرومانية التي يتسوح الناس اليوم على أطلالها الأثرية: إن بادئ أمرها رغبة امبراطورية، بإشغال الناس عن المظالم السياسية بالمصارعات والرياضات الجماهيرية.
أما في الساحة العلمية والدعوية فقد ألَّف الشيخ المغاربي الفريد: فريد الأنصاري – رحمه الله – رسالة لطيفة صغيرة الحجم غزيرة المعنى والفائدة، عنوانها: الفجور السياسي، عرض فيها لظاهرة الدعم والصناعة للفجور كمنهج سياسي يستهدف القضاء على منابع التدين والدعوة وإقصاء الاهتمام الإسلامي بالسياسة، وتجفيف البيئة التي من الممكن أن توفر رقابة واحتسابًا على قرارات الساسة وسلوكياتهم.
إن من أوَّل ما اتُّخِذ من قرارات في عهد بلاد الحرمين الحالي: كفَّ اليد التي تُشكِّل حجرَ عثرة في طريق الشهوات المحرمة، تمثَّل ذلك بقرار مصادرة صلاحيات رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذين كانوا أكبر العقبات أمام الزناة وأصحاب الشهوات المحرمة وضحاياهم من الفتيان والفتيات!

ثم تبع ذلك: إنشاء هيئة للترفيه، شابت نشاطاتها فعاليات خادشة للحياء داعية للرذيلة، جامعة لهذا الصنف من الشباب والفتيات؛ (كمثل ما حصل في الميدل بيست وغيره)! في إعلان صارخ بالترحيب والدعم، مكان المطاردة والمكافحة السابقة، إنك أيها الضائع الشهواني قدوة في العهد الجديد بدل أن كنت متهمًا في عهد مضى!
وليس هذا تصرفًا شهوانيًّا فحسب، بل هو منهج سياسي لا يخرج عمَّا قدمناه في هذه المقالة، عهد جديد شعاره تقليص النفقات وفرض الضرائب والاستئثار بالمال قدر المستطاع، مع التحكُّم في مكونات المجتمع وقمعها، من شيوخ ومثقَّفين ومُختصِّين في مجالات مختلفة!
إن من أوَّل ما اتُّخِذ من قرارات في عهد بلاد الحرمين الحالي: كفَّ اليد التي تُشكِّل حجرَ عثرة في طريق الشهوات المحرمة، تمثَّل ذلك بقرار مصادرة صلاحيات رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذين كانوا أكبر العقبات أمام الزناة وأصحاب الشهوات المحرمة وضحاياهم من الفتيان والفتيات!
ومشكلته أنه ورث عهدًا اتسم بالتوسع في الإنفاق، فكان لا بد له أن يُسطح الاهتمامات ويُسخف العقول ويُجفف منابع التدين ويُصادر أهم أسلحة الشباب: حقَّه في التساؤل عن اتجاه بلده ومقدراته ودينه ووعيه!
فيا لشباب ما أرخصه يضيعه من يريد ضياعه! ما أحراه أن يقول في ساعة قريبة: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67].
ويا لشباب ما أثمنه وأنقى معدنه يصمد في وجه الأعاصير، ويستعصي على خطط التسيير والتكسير والتهجير، فيحتفظ بوعيه وغيرته وإيمانه، يسمع عبر آلاف السنين صوت نبيِّه – صلى الله عليه وسلم – وهو يقول: طوبى للغرباء!